شبهات حول السنة والرد عليها


شبهات حول السنة والرد عليها


بقية أقوال العلماء:

ويقول الإمام الشافعى : "والبيان اسم جامع لمعان مجتمعة الأصول متشعبة الفروع : فجماع ما أبان الله عز وجل لخلقه فى كتابه، مما تعبدهم به، لما مضى من حكمه جل ثناؤه من وجوه :
1- منها ما أبانه لخلقه نصاً مثل إجمال فرائضه فى أن عليهم صلاة، وزكاة، وحجاً، وصوماً، وأنه حرم الفواحش ما ظهر منها وما بطن، ونص على الزنا، والخمر، وأكل الميتة، والدم، ولحم الخنزير، وبين لهم كيف فرض الوضوء،مع غير ذلك مما بين نصاً "إجمالياً".
2- ومنها ما أحكم فرضه بكتابه، وبين كيف هو على لسان نبيه مثل عدد الصلاة، والزكاة ووقتها، إلى غير ذلك من فرائضه التي أنزلها فى كتابه عز وجل .
3- ومنها ما سن رسول الله صلى الله عليه وسلم مما ليس لله فيه نص محكم، وقد فرض الله فى كتابه طاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، والانتهاء إلى حكمه فمن قبل عن رسول الله فبفرض الله قبل  (1)
مما سبق من قول الإمامين الشاطبى والشافعى يتأكد ما ذكرناه فى أن المراد من معنى البيان والتفصيل الوارد فى الآيات التى استشهد بها أعداء السنة المطهرة؛ بيان وتفصيل القرآن لكل شيء من أحكام هذا الدين كقواعد كلية مجملة، ومن بين تلك القواعد التى فصلها وبينها ربنا عز وجل؛ وجوب اتباع نبيه صلى الله عليه وسلم، والتحاكم إلى سنته المطهرة (2) ، ففى تلك السنة المطهرة إيضاح هذه القواعد وتفصيلها، فجاءت السنة موافقة ومؤكدة للقرآن، ومخصصة لعامه، ومقيدة لمطلقه، ومفصله لمجمله، وموضحة لمشكله، ومستقلة بتشريع أحكام دون سابق ذكر لها فى كتاب الله عز وجل.
يقول الإمام الشاطبى : "القرآن فيه بيان كل شيء على ذلك الترتيب المتقدم؛ فالعالم به على التحقيق عالم بجملة الشريعة ولا يعوزه منها شيء؛ فهو أساس التشريع، وإليه ترجع جميع أحكام الشريعة الإسلامية، والتي منها السنة النبوية، فهي حاصلة فيه فى الجملة، والدليل على ذلك أمور :
1- منها : النصوص القرآنية، كقوله تعالى : ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) [ سورة المائدة / 3 ] وقوله تعالى : ( وَنَزَّلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ تِبْيَانًا لِكُلِّ شَيْءٍ ) [ سورة النحل / 89 ] وقوله تعالى :( مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ ) [ سورة الأنعام /38 ] وقوله تعالى: ( إِنَّ هَذَا الْقُرْءَانَ يَهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ ) [ سورة الإسراء /9 ] وأشباه ذلك من الآيات الدالة على أنه هدى وشفاء لما فى الصدور،ولا يكون شفاء لجميع ما في الصدور إلا وفيه تبيان كل شيء (3)  .
2- ومنها : ما جاء فى الأحاديث والآثار المؤذنة بذلك كقوله صلى الله عليه وسلم : "وقد تركت فيكم ما لن تضلوا بعده إن اعتصمتم به كتاب الله" (4)  .
وعن ابن عباس - رضي الله عنهما - قال : لما حضر رسول الله صلى الله عليه وسلم - وفى البيت رجال فيهم عمر بن الخطاب؛ فقال النبى صلى الله عليه وسلم : "هَلمَّ أكتب لكم كتاباً لا تضلون بعده". فقال عمر : إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد غلب عليه الوجع وعندكم القرآن . حسبنا كتاب الله(5) ، وأشباه هذا مما روي مرفوعاً وموقوفاً بالاقتصار على القرآن فقط .
يقول الحافظ ابن حجر - رحمه الله تعالى - الاقتصار على الوصية بكتاب الله؛ لكونه أعظم وأهم؛ ولأن فيه تبيان كل شيء إما بطريق النص، وإما بطريق الاستنباط، فإذا اتبع الناس ما في الكتاب عملوا بكل ما أمرهم النبي صلى الله عليه وسلم به لقوله تعالى :( وما ءَاتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا ) [ سورة الحشر / 7 ]    (6)
وكلام الحافظ ابن حجر السابق نقله مبتوراً الأستاذ جمال البنا فقال : "التمسك بالقرآن والعمل بمقتضاه إشارة إلى قوله صلى الله عليه وسلم : "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا كتاب الله". وترك جمال البنا، بيان أن العمل بالقرآن الكريم يقتضى العمل بالسنة المطهرة كما صرح ابن حجر(7)  .
وهذا ما فعله أيضاً الدكتور أحمد صبحى منصور فى كتابه "حد الردة" نقل كلام الحافظ بن حجر الذى نقلناه، وبتر منه لفظة النبى صلى الله عليه وسلم فصارت العبارة : "فإذا اتبع الناس ما فى الكتاب عملوا بكل ما أمرهم به"(5)  أ.هـ.
وفى هذا الجواب الأخير تعلم الجواب عن باقى الآيات التى استشهد بها أعداء السنة على الاكتفاء بالقرآن، وعدم حجية السنة، للاقتصار على ذكر القرآن فقط، والوصية به كقوله تعالى: ( الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ )  ، وقوله تعالى: ( وَتَمَّتْ كَلِمَةُ رَبِّكَ ) ، وقوله تعالى : ( وَالَّذِينَ يُمَسِّكُونَ بِالْكِتَابِ )  ، وقوله تعالى : ( أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّا أَنْزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ )  وقوله تعالى ( وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْءَانُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ ) ، وأشباه هذه الآيات الكريمة التى ورد الاقتصار فيها على الوصية بكتاب الله عز وجل، وما ذلك إلا كما علمنا، أن القرآن هو الأصل المرجوع إليه فى الشرائع والأحكام واتباعه، والعمل بما فيه عمل بالسنة النبوية المستمدة حجيتها ومصدرتيها التشريعية منه . فهى من الوحى الغير متلو، والوحى ذكر، والذكر محفوظ بنص القرآن فى قوله تعالى : ( نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ )  


(1)  ــ الرسالة ص 20 ، 22 .
(2)  ــ انظر : البحر المحيط ( 1 / 441 ) .
(3)  ــ الموافقات ( 3 /333، 334 ) بتصرف .
(4)  ــ.أخرجه مسلم ، كتاب الحج ، باب حجة النبي صلى الله عليه وسلم ( 1218 )
(5)  ــ أخرجه مسلم ، كتاب الوصية ، باب ترك الوصية لمن ليس له شئ( 1638 )
(6)  ــ فتح الباري ( 5 / 425 ، 426 رقم 2740 )حديث عبد الله بن أبي أوفى .
(7)  ــ السنة ودورها في الفقه الجديد ص 246 .
(8)   ــ حد الردة ص 89 .
المصدر : شبكة السنة النبوية وعلومها 
المقال السابق
المقال التالي
مقالات دات صلة

0 comments: