جوانب التربية الإسلامية(1)
مدخل :
الشخصية
المتزنة ذات أثر فعال في حياة الأفراد والجماعات ، ولا تتكامل إلا عندما
تكون قد زكيت من كل جوانبها ، وربيت من كافة أقطارها ، وهذبت من كل أطرافها
.
وإذا
تأملنا حركة التاريخ ، وجدنا أهمية بناء وتكوين الشخصية القوية ، فلا
تغيير للواقع الفاسد ، المنحرف عن منهج الله ، من غير قوة ، ولا قوة من غير
بناء ، ولا بناء من غير إعداد ، وتكوين ، وتربية .
إن
الإنسان مخلوق عجيب ، فهو مختلف الغرائز والأمزجة ، ومختلف الطاقات
والدوافع ، وقد تتصارع فيه تلك الغرائز والدوافع ، فيصبح الإنسان صريع ذلك
التصارع،وهو حيال ذلك الصراع :
إما أن يبقى أسيرا لشهواته وعبدا لها ، فيسقط في الرذيلة فيصبح كالحيوان.
وإما أن يسمو ويستعلي ويرتفع على تلك الغرائز والشهوات فيصبح كملك كريم .
وإما
أن يتبع خطوات الشيطان فيصبح شريرا كالشيطان الرجيم ، يملأ الأرض ظلما
وعدوانا ، وينشر الظلم والبغي والوحشية في المجتمع ، ويصبح المجتمع
الإنساني عندئذ أفحش من المجتمع الحيواني، ذلك أن الحيوان كما يقول نديم
الجسر : " يموت كما نموت ولكنه في نجوة من هلع المصير وخوف الموت ، ويجوع
كما نجوع ولكنه في مأمن من هم الرزق وكرب الحاجة ، ويتمتع كما نتمتع ولكنه
في راحة مما يأكل القلوب كالحسد والكذب والنميمة والقذف والنفاق والخيانة
والعقوق والافتراء ، وهو يدافع عن نفسه كما ندافع ويسفك الدماء ليشبع ،
ولكنه لا يسفكه ترفعا ولا تكبرا ولا جورا ولا سرفا، أما هذا الإنسان الهلوع
، الجزوع ، العجول الطامع المتكبر ، السافك الدماء ، فإنه لا علاج يشفيه
من هذه الأمراض إلا الإيمان ، وبدون الإيمان فإن الإنسان يصبح أسوأ الخلائق
حظا ، وأشدها شقاء ، وأرذلها مصيرا "
بل
إني أقول إنه ليست هناك وسيلة لإنقاذه من السقوط في الهاوية أو في الصراع
بين الغرائز والدوافع المتناقضة المتصارعة إلا التربية الإسلامية المتكاملة
التي تُعنى بإعداده إعدادا كاملا من جميع النواحي: العقدية ، والعبادية ،
والأخلاقية ، والبدنية ، والروحية ، والعقلية ، والنفسية ، والمهنية ،
والحضارية ، والجمالية ، إلى آخر هذه النواحي في جميع مراحل نموه.
وليست
هناك وسيلة كذلك لضمان سير الإنسان على النهج الذي رسمه الإسلام للإنسان
في هذه الحياة ، ولوضع زمام تلك الميول والدوافع في يد الإرادة الحكيمة
البصيرة ، إلا تلك التربية التي تستطيع أن تجعل الإنسان صاحب إرادة قوية ،
وعزيمة عظيمة ، وتحرره من أن يكون عبدا لشهواته وأسيرا لأطماعه ودوافعه ،
كما تستطيع تلك التربية أن تجعل الإنسان يسير نحو هدف أسمى وغاية عليا ،
ويتحمل الصعوبات في سبيلها ، ويواجه المشكلات بشجاعة وبسالة .
إن
هذه التربية تبث روح الإنسانية وروح الخير لدى المتعلمين وتجعلهم يتحلون
بالفضائل الأخلاقية ، كما أنها تطهر النفس البشرية من الرذائل والشرور التي
تعاني البشرية منها ما لا تعاني من الأمور الأخرى ، وتعلم كل فرد كيف
يتغلب على نوازعه وأهوائه المختلفة التي تجره إلى الشرور والرذائل ، وكيف
يوجه نفسه نحو الخيرات : خير نفسه ، وخير مجتمعه ، وخير الإنسانية.
0 comments: